يوميات مدخن
* ما الذى يفعله المدخن فى روتين حياته عند شرب السجائر؟ هذا هوالروتين اليومى للمدخن:
* الروتين اليومى لحياة مدخن:
أعلم تماماً أن السجائر بها مواد كيميائية سامة وخطيرة وتشبه إلي حد كبير المحارب أو العدو الذي يشن عليك هجوماً في حرب ما، وفي النهاية لابد من انتصار الطرف الأقوي في هذه الحرب، يا تري أنا الأقوي أم تبغ السجائر؟ * هذا هو روتين حياتي يومياً مع السيجارة، والذي أصبح بالنسبة لي سلوك تلقائي أقوم به بدون أن أشعر وأنا علي يقين وثقة أنه سوف يقتلني في يوم من الأيام: - يبدأ اليوم معي أو مع أي مدخن بوجه عام بالاستيقاظ علي سيجارة حتى قبل مغادرة الفراش، لأن المدخن ما هو إلا مدمن ولابد من تناول الجرعة التي اعتاد عليها لكي يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي. لذلك فالسيجارة هي أول شيء يفتح عينه عليها.
- بعد ترك الفراش، لابد من غسل الوجه والاستعداد للذهاب للعمل. ثم الحلاقة أو وضع مساحيق التجميل علي الوجه بالنسبة للسيدات ولا يمكن عمل كل ذلك بدون السيجارة والتي يخشى عليها من البلل أكثر من ملابسه.
- عند تناول الإفطار، تجد المدخن "وأنا واحد منهم يحاول الانتهاء من إفطاره بسرعة لكى يعود إلى محبوبته وملهمته السيجارة" التى تساعده على استكمال يومه بدون أية مشاكل، وفى كثير من الأحيان يتجاهل وجبة الإفطار.
- ثم يركب سيارته، وقبل أن يديرها يوقد السيجارة حتى يستطيع القيادة بسلاسة أى أن السيجارة تشتمل عليها جميع محطاته اليومية التى يمر بها.
- عندما يصل إلى مكان عمله وبمجرد أن يدخل المكتب، يستخرج علبة السجائر من الحقيبة ويذهب بعيداً عن الحجرة ليتناولها، ثم ينظر فى الساعة لكى يحسب لنفسه الفترة التى ستمر عليه بدون أن يشرب السجائر ويحدد الميعاد الآخر لشربها حتى لا يخل بالجدول المنظم الذى اتبعه منذ بداية اليوم.
- قبل البدء فى العمل يضع علبة السجائر أمامه حتى تهدأ أعصابه ويشعر بالارتياح لتكون أمام عينيه ليستمتع بالنظر إليها اذا لم يقم بشربها.
- أثناء العمل يوقد العديد من السجائر لكى تساعده على التركيز. عندما يرن جرس التليفون، لابد من إيقاد سيجارة لتعطيه القوة وتساعده على التركيز أثناء المحادثة التليفونية.
- عند الاجتماع بأي من الزملاء أو أحد العاملين وخاصة في المواقف الصعبة لابد من تناول السيجارة لكي تخلصه من الضغوط وتساعده علي حل المشكلة أو الموقف الصعب الذي يزيده صعوبة وتعقيداً بتناوله السيجارة فيه!
- وإذا كانت هناك مشكلة مع صاحب العمل أو رئيسه فهو يوقد السيجارة أيضاً ... لا يوجد فارق عنده!
- عند تناول القهوة أو الشاي لابد من السيجارة! - عند تناول الغذاء لابد أن تكون السيجارة قبل الغذاء وبعده.
- عند تناول القهوة أو الشاي بعد الغذاء لابد منها. - عند العودة من العمل سواء يقود السيارة، أو في إحدي وسائل المواصلات لابد أن تكون بين أصابعه.
- عند أخذ قسطاً من الراحة ومشاهدة التليفزيون لعدة ساعات تتوالى سيجارة وراء أخري. - وبعد تناول العشاء تدخن السجائر من جديد.
- ويتوقع الكثير أن اليوم انتهي علي ذلك، لأن المدخن سيؤوي لفراشة الآن لينال قسطاً وافراً من الراحة والنوم بعد عناء يوم طويل وشاق، لكن الشيء الذي لا تعرفه أنه يستيقظ أثناء نومه مرات عديدة لكي يري محبوبته التي يفقدها أثناء نومه لأنها تراوده في أحلامه.
- وهكذا تدور العجلة كل يوم …… ويأتي اليوم التالي بنفس هذا الروتين. أعترف بأننى ضعيف أمامها لأنني أعلم وأدرك كل هذه الحقائق، بل أنا الذي أضع روتين حياتي اليومي المدمر لصحتى بنفسى … تعلمون لماذا؟ لأن مخى يخضع لتأثير السيجارة، فالمخ هو الحاسب الآلى لجسم الإنسان، والمخ يعمل بكفاءة عالية وينظم وظائف الجسم إذا وصله أكسجين نظيف ونقى، وشرب السجائر يحول دون حدوث ذلك فالمخ مثله فى ذلك مثل الحاسب الآلى الذى تمتلكه إذا أدخلت إليه أوامر خاطئة ستعرضه للتلف ولن يتمكن من القيام بعملياته على أكمل وجه.
فجسم الإنسان يستحق الاحترام وإذا لم تستطع توفيره فسوف تموت أو سأموت أنا على نحو أدق لكنها ما زالت مذكرات … ويوميات.
ضحية التدخين:
- اكتب لكم لكى تصفقون معى لكل شخص نجح في ترك السيجارة بل وعلي وجه الأخص من يصارعون من أجل تركها ويحاولون مرارآ. أبى لم يحاول مطلقآ أن يترك السيجارة ... وأتت المحاولة فقط عند اكتشاف إصابته بمرض السرطان واستطاع أن يتركها للأبد بموته بعد عام واحد فقط من معرفته بذلك وأنا افتقده الآن كثيرآ ...
فكان يدخن منذ أن كنت طفلآ صغيرآ أبلغ من العمر عشرة أعوام، وكانت بدايات أمى مع التدخين بعد 10 سنوات من زواجهما بسبب الضغوط والإحساس بزيادة وزنها ... أو السبب الأكبر من ذلك هى رغبتها في مشاركة أبى في شئ يفعله حتى يكون هناك توافق بينهما. وبالرغم أننى نشأت في هذه البيئة المدخنة لكننى لم أقع تحت براثن السجائر ولم أطرق باب التدخين ... ولم يتوافر لدى الدافع في يوم من الأيام، ربما يكون ذلك بسبب إصابتى بأزمة الربو ... ولا أعرف ما إذا كان ذلك يرجع إلي التدخين بصفتى مدخن سلبي أم أن هذا شيئآ وراثيآ ... أعلم تمامآ أن هذه العادة جذابة للغاية فهى مثل الطعام إذا قررت عمل رجيم (نظام غذائى قاسٍ) فأنت تتعذب وتتألم عند حرمانك منه.
لذا كان أبى يدافع دائمآ عن حقوق المدخنين، وكلما كان يحذره شخص من مضار السجائر كانت الثورة والغضب هما رد فعله الطبيعى. وبذهابى للمدرسة فقد اكتشف أصدقائي أننى من عائلة مدخنة أولآ لرائحة ملابسى المليئة بالدخان و أزيز الصدر، وبمرور الأعوام حاولت أتناسي هذا الأمر لكننى لم أستطع حيث بدأت تظهر المشاكل الصحية البسيطة لأبى بتقدمه في السن وكنت أخبر نفسي بأن هذا نتاج العمر، كان سنه 53 عامآ ويعانى من مرض السكر، ارتفاع الكوليسترول، ضغط الدم، العقم، الإرهاق.
ثم تزوجت ورزقت بأول طفل لى وأول حفيد لأبى وأمى، وانتهزتها فرصة لكى أقنع والدى بأن يودع السجائر من أجل هذا الطفل الوديع ... إلا أن كان رده علينا "ما الذى يجدى الآن، اترك بعد كل هذه المدة ... فمهما فعلت لن يأتى بنتائج إيجابية".
وقد اتبعت أمى طريقآ آخر غير أبى عندما نصحها الطبيب باستخدام اللاصق والتزمت بالتعليمات و تركت السجائر بلا رجعة. وكانت ما تخشاه هو الزيادة في الوزن، لكن دافعها الأقوى في البقاء مع أحفادها لمدة أطول من الزمن كان هو المسيطر. أخذت قرار الامتناع و كان أبى ما زال على قيد الحياة، على الرغم من أنها بالمرأة التى لا تستطيع أخذ قرار إلا بتأثير منه، وكانت تدخن حوالى 3-4 علب فى اليوم، وجاء قرار الامتناع لأمى والموت لأبى في نفس الشهر "أكتوبر" فهو شهر حزن وألم وفي نفس الوقت نشوة وسعادة. ولاجدال أن أمى مازالت عرضة للإصابة بمرض السرطان لأنها أخذت تدخن لمدة عشرين عامآ لكنها علي الأقل حاولت وأصبحت صحتها تتحسن.
أثناء فترة تدخينها كنت ابتعد عنها بقدر الإمكان واتجنب مصاحبتها في بعض النزهات ... كان الضيق يصيبنى لهذه المسافة والبعد الذى يوجد بيننا وكنت دائمآ أسأل نفسي هل هذا تصرف طبيعى ... في أن أكون بعيدة بهذا الشكل عن أمى وعدم مصاحبتها؟!!
وعلى الجانب الآخر، وبالرغم من معاناة أبى مع السجائر إلا أنه لم يعترف مطلقآ برغبته في الإقلاع عنها وكان يستشهد دائمآ بشخص في يوغسلافيا مات عن عمر يناهز 92 عامآ وكان لا يزال يشرب الكحوليات ويدخن السجائر ... أى أنه لا يوجد ضرر منها علي الإطلاق.
وعندما شُخصت حالته علي أنها سرطان، أصابنا الذهول لأننا لم نكن نتوقع ذلك ... فبنيانه كان قويآ ورقيق للغاية وفجأة أخذ يشكو من آلام لعدة شهور عرف بأنه المرض اللعين الذى تمكن منه.
ولم يكن ألم هذا المرض اللعين أو علاجه هو المعاناة ... لكن الألم عند معرفة الحقيقة ومواجهتها وأن هذا المرض من الصعب تداركه أو علاجه، وأن جودة حياتك لن ولا تستطيع تحقيقها بعد الآن. كما أن الألم يكمن في التصرفات التى تعكس مسئولية واهتمام وحماية مفرطة تريد أن تتركها لعائلتك من بعدك.
وكان سيقودنى إلي الجنون بتصرفاته التى تعكس مصيره، لا أنكر أنه كان إيجابيآ في كل تصرفاته حتى قبل المرض وما زاد عليها إيماءاته التى تعكس القضاء والقدر مثل إخبار والدتى بأخذ أموال التأمين، كما بدأ يترك لحفيده بعض المقتنيات الخاصة به.
وأنا لا أكتب هذه القصة لكى أثير عطف أو شفقة أى شخص يقرأها أو أود أن أعطى محاضرة له. ولو كانت هناك الكرة السحرية الزجاجية التى يستطيع الإنسان أن يرى من خلالها مصيره لكانت الحلول متاحة لأى شخص ... وكان أبى بوسعه أن يرى حفيده وهو يكبر أمامه ليس فقط الأربعة أعوام التى قضاها معه وإنما لفترة لايعلمها إلا الله.
إننى افتقد حنانه، حمايته، رعايته، ذكائه، ولروحه المرحه. وأخطر شئ في الدنيا هو أن يكون هناك فجوة بين الذي يريد أن يحققه شخص وبين ما يكون مفروض عليه.
وهذه رسالة موجزة للغاية من ضحية للدخان بطريقة غير مباشرة ...!!!!!!!